والآن، بعد أن عرفت متى يبدأ الإعداد للامتحان، كيف تستعد له؟ لقد بينا كيفية الاستعداد للامتحان فيما سميناه وصفة؛ وصفة تحسين المستوى. ونود أن ننبه المتعلمين إلى أننا لا نحث على الحفظ الذي يلجأ إليه العديد من التلاميذ والطلاب، فهم يخيل إليهم أن النجاح في الامتحان يستلزم حفظ ما تمت دراسته حفظا عن ظهر قلب، لذلك تراهم يلوكون كلاما كثيرا في مواد شتى: الاجتماعيات والإسلاميات والعربية وربما الفرنسية والفيزياء والرياضيات، وهذا في نظري خطأ منهجي يجب تصويبه، ذلك أن الحفظ وحده لا يسمن ولا يغني من جوع في مقامات كثيرة، لا سيما إذا كان هذا الحفظ غير مقرون بالفهم.
إننا لا نرفض الحفظ رفضا مطلقا، لأن للحفظ فوائد لا تنكر، لكننا نرفض الحفظ الأعمى لأنه خنق للتفكير وتعطيل للعقل، وفي المقابل نحث على الحفظ البصير، أي المقرون بالفهم. فالفهم يساعد على الحفظ وييسره وكلما كان المحفوظ مفهوما ترسخ في الذهن وعز على النسيان أن يمحوه.
إن الحفظ في حقيقة أمره ما هو إلا قراءة وقراءة وقراءة، أي تكرار القراءة، حتى يعلق المقروء في الذاكرة ويقع في حبالها. وبالتكرار يتضح المقروء ويفهم، فكثيرا ما نقرأ شيئا مرة واحدة فلا نفهم شيئا أو نفهم بعض الفهم لكن حينما نعيد القراءة مرة أو مرات تتبدى لنا أمور جديدة كأننا نقرأ غير الذي قرأناه أول مرة. وعليه فإن القراءة بعين العقل مرات متعددة في زمن طويل هو في نهاية المطاف حفظ رفيع محمود. العبرة ليست"
بكثرة القراءة ولكن بدقتها"، إن أهم شرط للقراءة المفيدة "أن تكون مزدانة بالتركيز والادكار"، فلا خير في قراءة كثيرة مضطربة لا عمق فيها ولا تركيز.
إن ما ذكرنا آنفا كله إعداد مادي وبقي أن نشير إلى إعداد آخر بالغ الأهمية ألا وهو الإعداد النفسي، بحيث على المتعلم أن يزرع الثقة في نفسه، خاصة يوم الامتحان، فلماذا نخشى الامتحان ونهابه وهو ليس بثعبان سام ولا "غول" يبتلع الناس؟ فإن كان الامتحان خصما فغير مجد في ملتي واعتقادي نوح باك، أبهذه الحالة النفسية نواجه الخصوم؟ علينا أن نتصف بروح الشجاعة وكذا بروح رياضية إن جاز هذا التعبير، فما أكثر الأخطاء التي يرتكبها الممتحن لا لجهله الجواب أو عدم المراجعة، لكن لعدم ثقته بنفسه ولتهويله الامتحان! وطبيعي أن تكون هناك علاقة بين الإعداد المادي والنفسي، فكلما كان الإعداد المادي جيدا ازدادت الثقة في النفس.
أثبتت دراسة نفسية أن القضاة يميلون في أحكامهم إلى من يتصف بالجمال، جمال المظهر. ستقول مالي وما للقضاة والجمال؟ لكن اعلم أن إعدادك المادي والنفسي للامتحان سيقوم في زمن دقائقه معدودة عدا، في ساعة أو ساعتين أو أكثر، واعلم أن القاضي الذي سيصدر حكمه النهائي الذي لا رجعة فيه هو مدرس، لا يختلف عن القاضي من حيث تأثره بالجمال، جمال ورقة التحرير.
إن شكل ورقتك مؤثر سلبا وإيجابا على المصحح، فاحرص على تنظيم ورقتك تنظيما يبعث ارتياحا نفسيا لدى المصحح. وهذا التنظيم يتمثل أولا في وضوح الخط، فالخط الواضح المقروء يسهل عمل المصحح، ومن حق المصحح ألا يعذب عينيه في فك طلاسم من خطوط متشابكة ، لذا عليك أن تتمرن على تحسين خطك بالطريقة التي تعلمت بها كتابة الحروف في الابتدائي وهي إعادة كتابة الحرف المعوج مرات ومرات إلى أن يستقيم. ومن التنظيم كتابة رقم السؤال والعناوين بلون مغاير، وترك فراغ بين سؤال وسؤال، ومن التنظيم نظافة الورقة ، وخلاصة القول إن الورقة مرآة تنعكس عليها صورة الكاتب فاحرص على تزيين صورتك وتجميلها.
ولا يفوتني أن أنبهك إلى أن تتعامل بذكاء مع أسئلة الامتحان، فمن الذكاء أن تقرأ قراءة أولية أسئلة الامتحان جميعها، فقد يكون في سؤال جواب وقد يكون في سؤال إشارة إلى جواب. ومن الذكاء ألا تحبس نفسك في سؤال غاب جوابه، عن سؤال بعده تعرف جوابه، لأن الوقت في الامتحان غال، ومن الذكاء أن تتجنب الحشو والتطويل، فلا تعمل عمل الكاهن يخلط "حقا" بمائة كذبة.
إن فهم السؤال كما تعلم نصف الجواب فلا تتعجل في الجواب فإن في العجلة الندامة وفي التأني السلامة كما تعلم، اقرأ السؤال أكثر من مرة ولا يغرنك جواب يقفز إلى ذهنك أول ما تقرأ السؤال. إن المتعلمين يزعمون في أحيان كثيرة أنهم أجابوا على السؤال كما ينبغي غير أنهم تفاجؤوا بنقطة ظالمة، هذا ظنهم قبل التصحيح وسيقتنعون بعد التصحيح أن النقطة عادلة. إنك حينما لا تجيب عن المطلوب كأنك تجيب عمن يسألك: كم الساعة؟ فترد: أمس لم استيقظ حتى الثانية عشرة إلا ربعا . وأخيرا أنبهك إلى أن تعيد قراءة أجوبتك فلا شك أنك واجد أخطاء سهو وسرعة، ثم تأكد ألا تكون السرعة والسهو تجاوزا سؤالا فبقي واقفا وحيدا في طريق أسئلة الامتحان، أمامك دركي سيحاسبك عن المفقود.